لفظ الجلالة (الله) هو أوّل الأسماء الحسنى التي نبتديء الحديث عنها، بل هو في الحقيقة أعظمها على الإطلاق.
فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنْزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات.
الأصل في الاشتقاق:اختلف العلماء في بيان الأصل اللغوي للفظ الجلالة (الله)، وكان اختلافهم حول مسألة اشتقاقه ابتداءً إن كان مشتقّاً أم لا؟
وإن كان مشتقّاً فما هي الكلمة التي اشتقّ منها؟ والراجح من كلامهم أن لفظ الجلالة (الله) مشتقّ من (إله)، وهو الذي تألهه القلوب وتعبده.
يقول الإمام الطبري: " "الله" أصله "الإله"، أسقطت الهمزةُ التي هي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين الاسم، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة، فأدغمت في الأخرى التي هي عين الاسم، فصارتا في اللفظ لامًا واحدة مشددة".
المعنى الاصطلاحي:
لفظ الجلالة (الله) هو الاسم الجامع لمعاني الألوهية، الدال على استحقاقه للعبوديّة، وقد عبّر الإمام الغزالي عن هذا المعنى بقوله: اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية.
وأولى منه تفسير ابن عباس رضي الله عنه للفظ الجلالة حيث قال: " الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين" فقد جمع في تفسيره بين أمرين: بين صفة الله الدالة عليه –وهي الألوهيّة- وبين الصفة المتعلّقة بالعباد من هذا الاسم –وهي العبوديّة-.
خصائص هذا الاسم على الإجمال:
تميّز لفظ الجلالة عن غيره من الأسماء بالكثير من الخصائص، ومن جملة ذلك: أن الله سبحانه وتعالى لمّا أراد تعريف ذاته العليّة لنبيّه موسى عليه السلام، خصّ اسمه (الله) بالذكر من بين جميع أسمائه الأخرى ليعرّف نفسه، فقال تعالى:{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} (طه:14).
ومن الخصائص: أن لفظ الجلالة (الله) هو الأصل لجميع أسماء الله الحسنى مما عداه، قال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180)، وفي آية أخرى: { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} (طه:8).
ثم إن سائر الأسماء تُضاف إلى هذا الاسم وتوصف به، فهي تبعٌ لهذا الاسم، ولذلك نقول: الملك من أسماء الله تعالى، والعزيز من أسماء الله سبحانه، ولا نقول: الله من أسماء العزيز، ولم تجرِ العادة بذلك.
ومن جملة الخصائص: أن لفظ الجلالة (الله) يدلّ على جميع المعاني التي تضمّنتها أسماء الله الحسنى، بما احتوته من الجلال والكمال والعظمة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة، والاتصاف بالإحسان، والجود والبرّ، والرأفة واللطف.
ويفسّر الإمام ابن القيّم ذلك بأن لفظ الجلالة دالٌّ على ألوهيّته سبحانه وتعالى، وألوهيّته متضمنة لثبوت صفات الكمال كلّها، المنزهة عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص، وإنما الأسماء الحسنى تفصيلٌ وبيانٌ لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله.
وعلى أحد الأقوال في المسألة فإن لفظ الجلالة هو اسم الله الأعظم، وقد تبنّى هذا الرأي الإمام الشعبي وأبو حنيفة والطحاوي وغيرهم، واستدلّوا بأدلّة كثيرة كان منها قول جابر بن عبد الله بن زيد أنه قال:اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع أنه يقول:{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم} (الحشر:22).
ومن الناحية اللغوية، يُذكر من خصائص لفظ الجلالة (الله) أنّ اللام والألف فيها يُعتبران من بُنية الكلمة، فلا يمكن الاستغناء عنهما، فأنت تقول: يا الله، في حين تسقط الألف واللام حين النداء بسائر الأسماء الحسنى الأخرى، فتقول: يا قدّوس، ولا تقول: يا القدّوس.
ويذكر الإمام القرطبي لطيفةٌ تتعلّق بهذا الاسم، فقد لاحظ أن هذا الإسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام ولم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا، وقد قال قوم نوح: {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} (المؤمنون:24) الآية، وقال قوم هود: {أجئتنا لنعبد الله وحده} (الأعراف:70)، وقالوا: {إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً} (المؤمنون:38)، وأشباهها من الآيات.
وتبقى الإشارة إلى اقتران هذا الاسم الإلهي بعامة ما شُرع لنا من الأذكار والمحامد، والبسملة والتسبيحات ونحوها، فنقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، ونقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله، ونقول: بسم الله.
وهو الاسم الذي يُفتتح به كلّ أمرٍ تبرّكاً وتيمّناً، ولذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يفتتح رسائله بالبسملة المشتملةِ أوّلاً على لفظ الجلالة (الله)، ولم يتسم بهذا الاسم غير الله تعالى ولذلك قال: {هل تعلم له سميا} (مريم: 65)، وهو الاسم الذي إذا ارتفع من الأرض قامت الساعة، بدلالة حديث: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) رواه أحمد.
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة:
لم يتكرّر اسم من أسماء الله تعالى في القرآن وفي السنّة كما تكرّر لفظ الجلالة (الله)، وقد استقرأ عددٌ من العلماء مواطن ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم فوجدها تربو على ألفين ومائتي مرّة، وهذا العدد لم يقاربه أي اسم آخر من أسماء الله الحسنى، كما أن الله تبارك وتعالى افتتح به ثلاثاً وثلاثين آية.
ونذكر هنا على سبيل المثال عدداً من الآيات التي ذُكر فيها هذا الاسم، ومنها قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} (الفاتحة:2)، وقوله تعالى:{ واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (النساء:1).
وقوله تعالى:{ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها} (الرعد:2)، وقوله تعالى: { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} (الشورى:17)، وقوله تعالى: { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث، قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله- وفي رواية: على أن يوحّد الله-, وأن محمدا رسول الله.) رواه البخاري ومسلم، وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت) رواه النسائي في السنن الكبرى، وقوله حين الاستسقاء: (اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث) رواه أبو داود.
فسبحان من تسمّى بهذا الاسم الذي ما كان في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أغناه، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية